مقدمة
محمد رسول الله، ونوره في الأرض، وسراجه المضيء يهدي الناس إلى الحق والخير بعثه الله للناس أجمعين. وهو الهادي والبشير والنذير، يهدي الناس إلى الصراط المستقيم، وهو المحذر والمنذر، ينذر الكافرين ويحذرهم من عذاب النار إذا لم يرجعوا عن كفرهم ويتوبوا إلى الله. إنه النبي الكريم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن عبد مناف، أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف من أشراف مكة. وينتهي نسب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام. مات أبوه عبد الله وهو في بطن امه، ولكن الله آوى محمد وجعله في كفل جده عبد المطلب، المعروف بالكرم الكبير وحب الفضل وخدمة البيت الحرام وسقاية الحجاج، أي خدمة كل الذين كانوا يأتون إلى بيت الحرام قبل الإسلام. ولد محمد بن عبد الله يتيما، في الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل الموافق لسنة 571م . إن مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكم مفاجأة للعرب، فقد كانت تدور على ألسنة الناس أقوال تخبر بظهور نبي في ذلك الزمن الذي ولد فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
تربيته ورعايته عليه الصلاة والسلام
عندما ولدت آمنة محمد صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى جده عبد المطلب الذي فرح بالبشارة فرحا عظيما، ورأى أن الله عوضه عن ابنه عبد الله بحفيده محمد، فأخذه بين يديه ثم دخل البيت الحرام وصار يدعوا الله ويحمده كثيرا، ثم سماه محمدا. وكان هذا الإسم جديدا على العرب. كان عبد المطلب كريما، صادق القول، حافظا للعهد يعمل في التجارة، شأنه شأن العرب جميعا في ذلك الزمن. ولكنه -لكرمه الشديد- كان لا يملك مالا كثيرا لينفق على المرضعة التي ستتولى إرضاع حفيده. اختار عبد المطلب لحفيده الصغير مرضعة ذات أخلاق طيبة ونفس كريمة، وسيرة نقية، هي حليمة السعدية. أخذت حليمة السعدية محمد الطفل الصغير، وكانت في بداية الأمر مترددة، لأنها من أسرة فقيرة، لكنها لم تستطع مقاومة حنانها تجاه محمد. فأخذته وهي مقتنعة بأن الله سيرزقها ويرزقه وعندما أصبح الصبي محمد في أحضانها شعرت بأن اللبن قد ازداد دره في صدرها، وأن البركة أخذت تحل في كل مكان تحمل إليه محمد. لذا سعدت حليمة السعديةبالمولود الجديد، وقررت عدم مفارقته لحظة واحدة، لأنها منذ أن أخذت محمد تغيرت أحوال عيشها فلم تعرف فقرا منذ ذلك الحين. وعندما بلغ محمد الثانية من عمره صار يذهب مع أبناء مرضعته حليمة السعدية إلى المرعى. ذات يوم رأى أبناء حليمة السعدية ملكين يأخذان محمد الطفل ابن السنتين ويفتحان صدره ثم يستخرجان قلبه، ثم يغسلانه ويعيدانه إلى مكانه. فكانت هذه الحادثة غريبة يعرفها الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم، وهي المعروفة بحادثة شق الصدر. عندما بلغ محمد السادسة من عمره رغب في زيارة قبر أبيه والتعرف على عمومته وأخواله، وحققت له أمه هذه الأمنية فاصطحبته في زيارة قبر أبيه وذهبت إلى المدينة المنورة حيث عرفته على إبن النجار (أخواله). وأثناء عودتها إلى مكة فاجأها الموت ومحمد لم يتجاوز السادسة من عمره. وهكذا أرادت حكمة الله أن يفقد النبي أبويه وهو طفل صغير، فتولى كفالته عمه أبو طالب، الذي كان صاحب عيال، فرباه تربية عفيفة نظيفة نقية، حيث غرس فيه حب الإعتماد على النفس فكان صلى الله عليه وسلم يرعى غنم عمه وهوفي السابعة من عمره وعلمه حب التجارة، فكان يأخذه معه إلى بلاد اليمن وبلاد الشام. وفي ذات المرات أخذ أبو طالب إبن أخيه محمد معه في رحلة تجارية إلى بلاد الشام، ولم يكد أحد أحبار اليهود يراه حتى قال متسائلا: الولد من قريش؟ فقال أبو طالب: إنه إبني. فقال له بحيرة اليهودي: إما أنك لم تقل الصدق وإما عندنا في كتبنا ليس صحيحا. فقال له أبو طالب: ولما قلت ما قلت أيها الحبر؟ فقال له الحبر اليهودي: عندنا في التورات أنه سيبعث في الجزيرة نبي له صفات وسمات وكلها تنطبق على هذا الطفل...لكن التورات تقول: إن هذا الطفل يتيم الأب والأم وأنا أسمعك أنك تقول أنه إبني. فقال أبو طالب: الحق أنه ليس إبني، إنه ابن أخي ولكني أردت أنه بمنزلة ابني بل أكثر من ذلك، فقال له بحيرة اليهودي: خذ ابن أخيك وارحل من هنا وإلا فأنا لا أضمن لك شر اليهود الأخرين، وجميعهم يعرفون ما أعرفه عن ابن أخيك. فأسرع وغادر هذا المكان رفقا بالطفل البريء وحرصا عليه.
أمانة محمد
عندما بلغ النبي محمد صلى الله عليه وسلم مرحلة الشباب الأولى، كان قد أتقن في التجارة وعرف بالأمان وحب الخير، والإصلاح بين الناس. وكان في مكة أثرياء لهم أموال كثيرة وتجارة واسعة. وكانوا يحتاجون إلى من يقوم لهم على تجارتهم بين الشام واليمن، ومن هؤلاء إمرأة عظيمة ذات مال كثير وأخلاق فاضلة، مات زوجها وأصبحت وحيدة وتحتاج إلى من يرعى لها أموالها، كان اسمها خديجة بنت خويلد. سمعت خديجة بنت خويلد عن محمد الأمين وسمعت عن نشاطه في التجارة، وآمنته في حفظ الأموال وخبرته ومقدرته وحسن تصرفه فأرسلت إليه وأرادت أن يقوم على مساعدتها ويعمل في تجارتها، فقبل مسرورا ثم قام بأول رحلاته على بلاد الشام. وجعلت خديجة خادمها ميسرة ليقوم على خدمته. ولما سار الركب إلى الشام كان ميسرة يرى الرسول صلى الله عليه وسلم مضللا بغمامة تظلله وهو يسير بين أفراد االقافلة. وكلما وقفت القافلة وقفت الغمامة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام كان أول الذين باعوا تجارتهم وأول من إشترى تجارة جديدة وبقى معه المال الكثير. وعندما عادت القافلة إلى مكة قص ميسرة على مسمع خديجة بنت خويلد كل ما رأه وسمعه عن محمد الأمين. أرسلت خديجة بنت خويلد في طلب النبي صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه أن يشاركها في تجارتها عندما تيقنت من أمانته وحسن تصرفه، وقدرته على إدارة أمور التجارة بأمانة وصدق. كان الرسول قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره وكانت خديجة بنت خويلد في الاربعين من عمرها. ولما أعجبت خديجة بمحمد وأمانته عرضت عليه أن يتزوجها. فقد كان محمد صلى الله عليه وسلم يتمتع بسمعة طيبة بين العرب جميعا وكانواا يثقون به فضلا عن حبهم له وثقتهم بحكمته...لقد كان محمد كبير في قومه، ومهابا وعظيما يقدره أهله ولا يسقطون له رأيا.
حديث شريف
عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ءأتمن خان"، وفى رواية أخرى: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم".
حكمة محمد صلى الله عليه وسلم
عرف محمد قبل النبوة بالأمانة، فكانوا يسمونه محمد الأمين وكان حكيما فوق أنه أمين ومن صور حكمته القصة الآتية: عندما عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة والثلاثين قبل البعثة بخمس سنوات حدث خلاف كبير بين قبائل العربية في مكة. وسبب هذا الخلاف أن العرب أرادوا أن يعيدوا بناء الكعبة من جديد فانتدبت، كل قبيلة من قبائل العربية رجلا من رجالها ليمثلها في هذا العمل، حتى تشترك جميع القبائل في هذا الشرف العظيم. ولما أوشك البناء على النهايةولم يبق إلا وضع الحجر الأسواد الذي كانت تكرمه العرب قديما والمسلمون جميعا.اختلفوا على من يرفع الحجر ويضعه في مكانه فارتفعت اأصواتهم، وكادوا يقتتلون بسبب ذلك. ولما إجتمعوا في البيت الحرام ليتفقوا على حل يرضاه جميع العرب اختلفوا من جديد وكادوا أن يقتلونه...حتى قال قائل منهم: إننا نرضى أن يحكم بيننا أول قادم من بيت الله الحرام وبينما هم كذلك دخل محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا الأمين قد أتى ونحن جميبعا قد ارتضينا حكمه. أمر النبي صلى الله عليه وسلم ممثلى القبائل أن يضعوا الحجر الأسود في ثوب ثم يمسك كل واحد منهم بطرف من أطراف الثوب ثم يحملونه جميعا وعندما بلغوا مكانه الموجود فيه الآن. رفعه النبي الحكيم بيديه الطاهرتين ثم وضعه فيه. وهكذا قضى محمد صلى الله عليه وسلم بحكمته على فتنة محققة فصلى الله وسلم عليك يارسول الله.
بسم الله الرحمان الرحيم
0 تعليق على موضوع : حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات